القائمة الرئيسية

تعريف الموقع

أهم الاخبار [LastPost]

فيلم «ريش على مفيش»

فيلم «ريش على مفيش»




كتب _ اشرف محمد

أشوف تنين المهرجانات المجنح المعروف باسم «ريش» ، واللي في الحقيقة هو «ريش على مفيش» أو بالأصح هو كتلة من «البيض» 


معلهش أستحملوني شوية ، بس أصل لازم تشاركوني في احساس «القرف» اللي حسيته ومازلت بعيشه من امبارح من كتر كمية «القبح» اللي في الفيلم ، حتى كلمة «فيلم» دي فيها مبالغة كبيرة ، لكن ما علينا

 

و «القبح» اللي بأقصده هنا هو القبح بمعناه الحرفي مش بمعناه المعنوي ، واللي بيخللي الشعور بالقرف والاشمئزاز  يلازمك ويسكنك من أول لقطة في الفيلم لحد آخر مشهد ، لدرجة اني بعد ما كنت بشوف الفيلم وانا بأتعشى وقفت الأكل وكنت فعلا عايز أرجع من كتر القرف والمشاهد المقززة اللي في الفيلم 


أنا هحاول أبعد عن السياسة في تحليلي لهذا العمل القبيح رغم ان ده صعب جدا ، لأن السادة صناع الفيلم بيعلنوا فيه عن توجهاتهم الفكرية والسياسية من أول لقطة لما بنشوف أول مشهد بعد «التتر» مباشرة، وفي مشهد تم إقحامه عنوة على الأحداث بلا مبرر،  لقطة لشخص بيحرق نفسه ويموت منتحرا بالحرق ، في إسقاط واضح جدا على «البوعزيزي» اللي كان شرارة تسونامي الجحيم العربي في 2011 .. يعني الناس بيعلنوا عن نفسهم من أول لقطة وأول ثانية وبيقولولنا بكل صراحة أنهم نكسجية ينايرجية من عبدة عجل يناير المقدس ، خصوصا ان المشهد ده ليس له أي علاقة بأحداث أو شخوص الفيلم ولم يتم توظيفه دراميا أو الاشارة إليه بعد كده أبدا .. طيب إيه لازمة أو دلالة اللقطة دي ؟ ما تعرفش بس هو كده 


بعد كده بنشوف أسرة عامل بيشتغل في مصنع كبير لكنه عتيق بيفكرنا بأجواء مصانع الخمسينات والستينات ، وأعتقد ان أقرب تشبيه ليه هو مجمع مصانع التبين بالقرب من حلوان ، وبنشوف العامل ده هو وأسرته ساكنين في شقة بمساكن العمال التابعة للمصنع ده ، بما يذكرنا بالمستعمرات العمالية بتاعة العهد السوفيتي 

وبنشوف العامل الفقير ده وهو بيفطر مع أسرته ولما بيشرب كوباية لبن حليب بيقول مراته الصامتة دوما انه بيفكره بالحليب الـ «Fresh» اللي كان بيشربه في «البعثة» ، ومش عارف بعثة إيه دي اللي عامل بسيط زي ده هيروحها، لكن ما علينا برضه ، وبنلاقي العامل ده قاعد يحكي لمراته انه «هناك» في بلاد السحر والجمال بيجيبوا لكل واحد بقرة صغيرة في طبق عشان يحلبها ويشرب الحليب سخن منها مباشرة ، وطبعا واضح الاحساس بالنقص وعقدة الدونية اللي مسيطرة على عقلية صناع الفيلم لأن الكلام ده ماينفعش نصنفه حتى على انه نوع من الفانتازيا السينمائية 


بس الغريبة ان عامل بسيط زي ده مكسور عليه كذا شهر من إيجار الشقة لدرجة انه بيؤمر مراته انها تعمل بتنجان على الغدا ليومين متتالين ، وشقته أقل ما يقال عنها انها صفيحة زبالة ، الغريبة ان شخص بالشكل ده نلاقيه بيحرص على عمل حفل عيد ميلاد لأحد أبناءه وبيعزم فيه أصحابه ورؤساءه وجيرانه البائسين برضه وبيجيب لعب كتير لولاده وكمان بيجيب نافورة ديكور بتشتغل بالكهرباء يحطها وسط هذا الكم من القذارة والعشوائية والعفن ، ومش بس كده دا كمان بيستأجر ساحر غامض عشان يعمل ألعاب بهلوانية يسعد بيها الحضور  ، لكن برضه هنفوت التناقض ده ومش هنقف عند الجزئية دي خالص وهنقول ان المؤلف والمخرج عملوها وأقحموها بسذاجة عشان يدخلوا بينا على الحدث المفصلي في العمل واللي بتتبني عليه بقية الأحداث ، لما الساحر طلب من رب الأسرة انه يدخل صندوق خشبي كان جايبه معاه عشان بعد كده لما يفتح الصندوق نفاجئ إن الراجل رب الأسرة اتحول إلى «فـرخــة» ، والأزمة بتبتدي لما الساحر الغامض ده يفشل في إرجاع الراجل رب الأسرة مرة تانية لحالته البشرية الطبيعية 


وطبعا الاسقاط والرمزية هنا واضحين جدا ، فالكاتب والمخرج عايزين يقولوا ان رجال مصر قد تحولوا إلى مجرد فراخ خاملة ومدجنة في حظيرة الدولة العسكرية القمعية 


وهنا أنا حاولت أقنع نفسي ان صناع العمل متأثرين مثلا بأجواء أدب «الواقعية السحرية» بتاع أمريكا اللاتينية ، وبالذات رواية «خريف البطريرك» لـ «جابريل جارثيا ماركيز» ، لكني فشلت في الربط بين العالمين أو المدرستين ..


وهنا هنقف شوية عند مشاهد القبح اللي مصبوغ بيها الفيلم من بدايته لنهايته ..


إيه دا يا جدعان !! ..إيه القرف ده .. إيه اليعععع ده !! 

 

على فكرة ، القرف اللي في الفيلم ده مالوش علاقة بأنهم عايزين يحسسونا بالمستوى الاجتماعي الفقير لشخوص وأبطال العمل .. لأنه فيه فرق بين الفقر وبين القذارة والعفانه .. احنا طول الفيلم مش بنشوف غير سلسلة مقززة من العفانة والنتانة في كل مشهد وكل تفصيلة من تفاصيل الفيلم ... كل حاجة عليها تراب وقذارة وقيح ، من أول ترابيزة الأكل ، للكنب والكراسي، للتليفزيون القديم المتهالك اللي بطنه مفتوحة ، لشباك السرير ، للدولاب الصفيح ، للصندوق المعدني المطبق المصدي اللي بيحطوا فيه تحويشة الفلوس، للأرضية والحيطان والبيبان ، لأطباق الأكل الألمونيا ، للكوبيات والملاعق، حتى قزاز العربية والصاج بتاعها عليه طبقات من العفن والوساخه المتكلسة ، وطبعا مش هتكلم بقى على شكل المطبخ ودورة الميه والأحواض والكنيف عشان الواحد بطنه اتقلبت 


مرورا بقى بقسم الشرطة اللي ماشوفتش مثيل ليه في القذارة والوساخة والعشوائية حتى في أصغر نقطة في أبعد قرية في بطن الجبل ، ومكتب موظف شئون العاملين في المصنع ، والمستشفى البيطري، وحتى  المستشفى البشري ، لدرجة انك بتشوف العيادة الطبية (أو القومسيون الطبي مجازا) في الشركة أو المصنع عبارة عن خيمة حقيرة وقذرة على شط ترعة !! .. يا راجل دي حتى الفلوس اللي جايبينها في إيدين الناس جايبينها متهالكة ووسخه ودايبة من كتر التداول بيها ومفيش ولا جنيه واحد جديد أو نضيف 

كل حاجة عليها كمية أوساخ وقذارة عجيبة ومقززة كأنهم كانوا بيجيبوا تراب وسباخ وزباله ويرموهم فوق كل حاجة في كل مشهد ،  أما بقى مشاهد الفرخة اللي بيحطولها الأكل فوق السرير فحيرتني بجد ، لأني بحكم مهنتي كطبيب دخلت مئات البيوت لناس فقرا جدا بل ومعدمين في أقاصي قرى ونجوع الصعيد وعمري ما شوفت حد بيحط الأكل والشرب للفراخ على السرير ، ولا عمري شوفت قذارة وعفانه بالشكل ده حتى في البيوت اللي كنت بأولد فيها واحدة ست على حصيرة على الأرض الطينية وعلى ضوء لمبة جاز .. 

انتوا جايبين القرف والقبح دا كله منين ؟ 


واللا هو دا القرف والقبح اللي ساكن جوه نفوسكم العليلة واللي طفح زي البكابورت على أفكاركم وجايين تطرشوه في وشنا ؟ 


بالمناسبة القرف اللي في الفيلم ده ما ينغعش نصنفه على انه واقعية أو فانتازيا أو حتى واقعية سحرية .. دي واقعية سوداوية ، او بالأحرى واقعية بكابورتية ماينفعش تشوفها في دار سينما .. ولكن مكانها الطبيعي في مبولة عمومية


واقعية إيه ، ما احنا شوفنا أفلام خالدة تنتمي للمدرسة الواقعية وعمرنا ما قرفنا ولا تقززنا بالشكل ده ،، مين ينسى مثلا فيلم «الأسطى حسن» لفريد شوقي وهدى سلطان وشكل بيت عامل الحدادة البسيط في أربعينيات القرن الماضي .. مين ينسى فيلم زي «البوسطجي» لشكري سرحان واللي صور بمنتهى الواقعية حالة قرية مصرية نائية في قلب الجبل في أسيوط بصعيد مصر ؟ أو فيلم «بداية ونهاية» للأديب العالمي نجيب محفوظ .. حد فينا هاجم الواقعية هنا ؟ واللا فيلم «الزوجة الثانية» اللي صور برضه حالة الضنك والفقر اللي بيعيشها فلاح «أُجري» هو أسرته في قرية صغيرة مجهولة في دلتا مصر ..وكلنا فاكرين مشهد بيت الفلاح ده وشكل العفش الريفي البسيط جدا والفرن اللي كانوا بيناموا عليه .. يا ترى حد فينا حس في لحظة بأي نوع من الاشمئزاز أو التقزز من مشهد واحد في الفيلم ده ؟ ونفس الكلام في فيلم «الأرض» برغم انه كان فيه مثلا مشهد للفلاحات وهما بيتخانقوا على خطف روث الجاموسة عشان يعملوا منه جلة 


مرورا بقى بأفلام تانية رائعة بتعتبر علامات خالدة في تاريخ السينما المصرية ومن نفس المدرسة الواقعية ، زي «الحــرام» و «رصيف نمرة خمسة» و «الكيت كات» وغيرهم .. كلنا شوفنا الأعمال الفنية العظيمة دي عشرات المرات وعمرنا ما شعرنا بحالة القرف والاشمئزاز والنفور اللي حسيناها لما شوفنا هذا البكابورت السينمائي ، فياريت محدش يحاول يقنعنا ان دي هي سينما الواقع ، لأنه كده هيبقى هو اللي «واقع» فعلا في مستنقع الجهل والغباوة  

.

حاجة كمان ، انا حاولت أحط الفيلم ده في أي سياق زمني بالنظر للديكور والأكسسورات لكني بأعترف اني فشلت ، لأنك لما بتشوف مثلا شكل المصنع القديم العملاق بدخانه وعوادمه الكريهة اللي بتشيع التلوث الخانق في الأجواء ، وشكل التليفزيون المتهالك اللي بطنه مفتوحة ، وشكل العربية القديمة المتهالكة ، لما بتشوف دا كله بتحس انك في حقبة الستينات أو السبعينات ، لكن في نفس الوقت بتشوف برضه حاجات زي الموبايل مثلا تحسسك اننا في العصر الحالي ...طاب هي فين الحتة اللي في مصر بطولها وعرضها اللي الزمن توقف فيها بالشكل ده ؟ سواء كان في الريف أو الحضر .. وبرضه مرة تانية هفكركم اني بحكم مهنتي دخلت مئات البيوت لناس فقرا ومعدمين في قرى ونجوع نائية في قلب الصعيد ، ودخلت برضه بيوت بل و «عشش» في مناطق عشوائية فقيرة، وعمري ما شوفت حتة توقف فيها الزمن بالشكل ده ،، يا راجل ده انا شوفت بعيني أطباق «دش» متركبة فوق عشش صفيح  في منتصف التسعينات لما الدش دا كان لسه بيقولوا عليه اختراع يا كوتش ، ولما دخلت ماشوفتش أبدا مستوى العفن والقذارة اللي في الفيلم الكريه ده 

.

أما بقى بطلة الفيلم فدي حكاية لوحدها .. صحيح هي نجحت انها تحسسني بحالة الانكسار بل والانسحاق في بعض المشاهد القليلة جدا اللي اتكلمت فيها بنبرة صوتها الخفيضة المنكسرة ، لكنها في الأغلب الأعم كانت صامتة بشكل عجيب وغير مبرر دراميا، وما ينفعش هنا نقول انها كانت بتعبر تعبير صامت بالعنين وتعبيرات الوش زي مثلا الفنانة سميرة أحمد في فيلم «الخرساء» لأن وشها ونظرات عينيها كانت خالية تماما من أي تعبير .. وكانت بتديني احساس دايما بأنها «Blunted Emomtion» يعني ممسوحة المشاعر والتعابير ..دا حتى في المشهد اللي هو المفروض قمة التراجيديا بالنسبة لها لما جوزها اتحول لفرخة ، ماشوفناهش اتحركت ولا اتكلمت ولا خافت ولا إنزعجت ولا صرخت ولا حتى مسكت في خناق الساحر الفاشل اللي حرمها من راجلها وابو عيالها .. دي جارتها كانت منفعلة أكتر منها وقعدت تشتم الساحر الفاشل وتصرخ في وشه .. ونفس الكلام في آخر الفيلم لما جابولها جوزها في قسم الشرطة وهما ساحبينه على الأرض زي الدبيحة وهو شبه جثة ، برضه ماشوفناش منها أي رد فعل انفعالي ولا شوفنا على وشها أي تعبير من أي نوع سواءا بالفرح أو الزعل أو الدهشة أو حتى الغضب والصدمة (و مش هتكلم عن التلميح هنا بأسطوانة «الاختفاء القسري» عشان قلنا هنبعد عن السياسة)

.

الصدمة الحقيقية بقى ان مؤلف ومخرج الفيلم فشلوا أنهم يخلونا نتعاطف حتى مع شخصية البطلة ، لأنها مثلا لما اشتغلت «خدامة» عند ناس أغنياء ، سرقتهم ، ولو قلنا انها ياعيني وبسبب الفقر سرقت كام حتة لحمة وشوية أكل عشان عايزه تأكل ولادها الجعانين ، فيا ترى هنتعاطف معاها إزاي واحنا بنشوفها في آخر الفيلم وهي بتقتل جوزها القعيد المشلول فاقد النطق بكتم أنفاسه بالمخدة بعدما يئست من شفاءه وأكتشفت انه بقى عبء زائد عليها وعلى ولادها ؟ 

.

معلهش طولت عليكم ، بس دي كانت انطباعاتي عن هذا المسخ الشائه واللي عايزين يفرضوه علينا ويخلونا نتذوقه ونبلعه بالعافية تحت دعاوى الابداع والتميز

 .

بس انا عن نفسي لا يمكن هتقبل «القرف» مهما قالولي ان الدولة ممثلة في وزارة الثقافة كرمته ، ومهما زينوه بجوائز دولية أو محلية ، ماهو ما ينفعش تجيب لي جثة متعفنة وتلفها بسوليفان ملون وشرايط براقة عشان تقنعني بجمالها .. خصوصا اننا عارفين اللي فيها  ، وعارفين ليه وإزاي تم تمويل هذا القبح من «جهات اجنبية» ، وبالذات لما نعرف ان الجهات الأجنبية دي فيها ناس من «ولاد العم» ..!!

.

تعليقات